إذا نظر الباحث في أي نشاط وفعالية في هذا الكون، وهذه الحياة، يجد أن الإنسان هو الأساس والعنصر الفعال فيه، فإذا نظرنا إلى الزراعة نرى أن الإنسان هو المحرك الأول فيها،
وإذا خبّرنا التجارة فالإنسان هو المتسلط فيها، وإذا اتجهنا إلى الصناعة فالإنسان هو الفاعل النشيط فيها، وإذا يمّمنا وجوهنا نحو العمران والبناء فالإنسان هو العامل المخطط والمنفذ والمشرف عليها، وإذا فكرنا بالإصلاح الفردي والاجتماعي والعلوم والحضارات رأينا أن الإنسان هو المبتدأ والخبر، والبداية والنهاية، والوسيلة والغاية، وإذا صمّمت أمة على التقدم والتطور، والسعادة والرفاهية، والنظام والازدهار، وجدت الدائرة تدور حول الإنسان، وأنه هو الأساس في التخطيط والتنفيذ، وهو المقصود بالنفع والفائدة.
ومن هنا حرص الإسلام أولاً على التربية الروحية لغرس العقيدة الصحيحة، وإذكاء الإيمان الفطري، وتغذية الروح، لينظم الإنسان علاقته بربه، ابتداءً من النظر في نفسه والإقرار بالعبودية الكاملة لذاته، والربوبية المطلقة لله تعالى، وبعد ذلك يؤدي وظيفته الأساسية التي وجد من أجلها.
والإسلام يسعى حثيثاً إلى التربية الأخلاقية، ليسمو بالإنسان نحو الفضائل، ويتمثل الأخلاق الحميدة، ويتجنب المفاسد والرذائل، ويعرض عن سفاسف الأمور وتوافهها.
إن الإسلام يهتم أولاً ببناء الإنسان قبل بناء المدرسة والجامعة، فالأستاذ أولاً، والمدرس هو حجر الزاوية، والإنسان هو الأساس، فإذا تم بناء المعلم والمربي والمدرس والأستاذ فلا يهم بعد ذلك المكان.
وفي مجال الجهاد والقتال يدعو إلى إعداد المقاتل القوي، والتربية العالية، والروح المعنوية في الجندي والضابط والقائد، وذلك قبل إعداد القوة التي أمر بها في سورة الأنفال المدنية التي نزلت بعد غزوة بدر.
والإسلام قبل أن يضع القوانين والأنظمة والتشريعات، وقبل أن ينزل الأحكام، ويفرض التكاليف ربّى الإنسان الذي سيتوجه إليه بالتنظيم والتشريع والتحليل والتحريم، وهيأ الإنسان الكامل الذي سيطبق هذه الأحكام، ويتلقّى هذه الأوامر والنواهي، وعندئذ كان التشريع ناجحاً، والتطبيق مذهلاً، والاستجابة كاملة، والوقوف عند الأحكام طوعياً، والتنفيذ دقيقاً، سواء في العبادات، أم في الأخلاق والمعاملات، ومن ثم جاء بناء الإنسان المسلم المؤمن أولاً، ثم طلبت منه الصلاة فأداها، وأشير إليه بالهجرة فأسرع إليها، وندب إلى الإنفاق في سبيل الله فجاء بأمواله طوعاً واختياراً، وأعلن الجهاد وملاقاة الأعداء فلبى النداء، وأمر باجتناب الخبائث والمحرمات والانتهاء عن الخمر فنادى الصحابة «انتهينا انتهينا يا رب».
والمقصود من كل ما سبق هو أن نصل إلى طرح السؤال التالي: هل التعديل الدستوري ونقل أرقى قوانين العالم كافٍ لإصلاح القاضي، وإصلاح رجل الأمن، أم أن المسألة تحتاج إلى تغيير العقول قبل تغيير القوانين؟، ونفس القول ينطبق على النخبة السياسية التي تنعت بالفساد والارتشاء وغير ذلك من المواصفات الدنيئة. إذاً من أين نبدأ التغيير، من الإنسان، أم من القوانين، أم منهما معاً؟
وبعبارة أخرى:
هل تتجسد مشكلتنا في عدم وجود الطبيب القادر على التشخيص؟ أم في عدم وجود الدواء الناجع في اقتلاع الداء؟ أم في أن المريض نفسه غير قابل للدواء، ولا متجاوب مع العلاج؟
وإن شئنا الصراحة، قلنا: إن التغيير يجب أن يبدأ من داخل كل منا، من أنفسنا التي بين جنوبنا، من حبنا لذواتنا، وطوافنا حولها كما يطوف الوثني بوثنه، في محاولتنا تبرئة أنفسنا واتهام غيرنا، وإلقاء التبعة على كل أحد سوانا، يرى كل منا القذى في عين أخيه ولا يرى الخشبة في عينه.
أجل، الخلل في المعلم قبل ميثاق التربية والتكوين، الخلل في القاضي قبل القانون الأساسي للقضاة، الخلل في النخبة الحاكمة قبل الوثيقة الدستورية...فالمسؤولية مشتركة، فالقانون الممتاز يحتاج إلى من يحوله إلى عمل ووقائع، وإلى محاسبة ومعاقبة.
وتتمة لما تقدم فإن الذين تتغير أنفسهم، أو يتغير ما بأنفسهم من الشر إلى الخير، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الانحراف إلى الاستقامة، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن الكسل إلى العمل، ومن الرذيلة إلى الفضيلة، فهم أهل أن يغير الله حالهم أو يغير ما بهم من الضعف إلى القوة، ومن الذلة إلى العزة، ومن الهزيمة إلى النصر، ومن الخوف إلى الأمن، ومن الاستضعاف إلى التمكين، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
علي قاسمي التمسماني
ومن هنا حرص الإسلام أولاً على التربية الروحية لغرس العقيدة الصحيحة، وإذكاء الإيمان الفطري، وتغذية الروح، لينظم الإنسان علاقته بربه، ابتداءً من النظر في نفسه والإقرار بالعبودية الكاملة لذاته، والربوبية المطلقة لله تعالى، وبعد ذلك يؤدي وظيفته الأساسية التي وجد من أجلها.
والإسلام يسعى حثيثاً إلى التربية الأخلاقية، ليسمو بالإنسان نحو الفضائل، ويتمثل الأخلاق الحميدة، ويتجنب المفاسد والرذائل، ويعرض عن سفاسف الأمور وتوافهها.
إن الإسلام يهتم أولاً ببناء الإنسان قبل بناء المدرسة والجامعة، فالأستاذ أولاً، والمدرس هو حجر الزاوية، والإنسان هو الأساس، فإذا تم بناء المعلم والمربي والمدرس والأستاذ فلا يهم بعد ذلك المكان.
وفي مجال الجهاد والقتال يدعو إلى إعداد المقاتل القوي، والتربية العالية، والروح المعنوية في الجندي والضابط والقائد، وذلك قبل إعداد القوة التي أمر بها في سورة الأنفال المدنية التي نزلت بعد غزوة بدر.
والإسلام قبل أن يضع القوانين والأنظمة والتشريعات، وقبل أن ينزل الأحكام، ويفرض التكاليف ربّى الإنسان الذي سيتوجه إليه بالتنظيم والتشريع والتحليل والتحريم، وهيأ الإنسان الكامل الذي سيطبق هذه الأحكام، ويتلقّى هذه الأوامر والنواهي، وعندئذ كان التشريع ناجحاً، والتطبيق مذهلاً، والاستجابة كاملة، والوقوف عند الأحكام طوعياً، والتنفيذ دقيقاً، سواء في العبادات، أم في الأخلاق والمعاملات، ومن ثم جاء بناء الإنسان المسلم المؤمن أولاً، ثم طلبت منه الصلاة فأداها، وأشير إليه بالهجرة فأسرع إليها، وندب إلى الإنفاق في سبيل الله فجاء بأمواله طوعاً واختياراً، وأعلن الجهاد وملاقاة الأعداء فلبى النداء، وأمر باجتناب الخبائث والمحرمات والانتهاء عن الخمر فنادى الصحابة «انتهينا انتهينا يا رب».
والمقصود من كل ما سبق هو أن نصل إلى طرح السؤال التالي: هل التعديل الدستوري ونقل أرقى قوانين العالم كافٍ لإصلاح القاضي، وإصلاح رجل الأمن، أم أن المسألة تحتاج إلى تغيير العقول قبل تغيير القوانين؟، ونفس القول ينطبق على النخبة السياسية التي تنعت بالفساد والارتشاء وغير ذلك من المواصفات الدنيئة. إذاً من أين نبدأ التغيير، من الإنسان، أم من القوانين، أم منهما معاً؟
وبعبارة أخرى:
هل تتجسد مشكلتنا في عدم وجود الطبيب القادر على التشخيص؟ أم في عدم وجود الدواء الناجع في اقتلاع الداء؟ أم في أن المريض نفسه غير قابل للدواء، ولا متجاوب مع العلاج؟
وإن شئنا الصراحة، قلنا: إن التغيير يجب أن يبدأ من داخل كل منا، من أنفسنا التي بين جنوبنا، من حبنا لذواتنا، وطوافنا حولها كما يطوف الوثني بوثنه، في محاولتنا تبرئة أنفسنا واتهام غيرنا، وإلقاء التبعة على كل أحد سوانا، يرى كل منا القذى في عين أخيه ولا يرى الخشبة في عينه.
أجل، الخلل في المعلم قبل ميثاق التربية والتكوين، الخلل في القاضي قبل القانون الأساسي للقضاة، الخلل في النخبة الحاكمة قبل الوثيقة الدستورية...فالمسؤولية مشتركة، فالقانون الممتاز يحتاج إلى من يحوله إلى عمل ووقائع، وإلى محاسبة ومعاقبة.
وتتمة لما تقدم فإن الذين تتغير أنفسهم، أو يتغير ما بأنفسهم من الشر إلى الخير، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الانحراف إلى الاستقامة، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن الكسل إلى العمل، ومن الرذيلة إلى الفضيلة، فهم أهل أن يغير الله حالهم أو يغير ما بهم من الضعف إلى القوة، ومن الذلة إلى العزة، ومن الهزيمة إلى النصر، ومن الخوف إلى الأمن، ومن الاستضعاف إلى التمكين، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
علي قاسمي التمسماني




0 commentaires:
إرسال تعليق